من المسؤول عن تربية الشباب؟
مع تطور الحياة المدنية
للانسان، وتشابك العلاقات، وتعدّد أنواع التفاعل والتأثير الاجتماعي والثقافي،
تعددت العوامل والوسائل المؤثرة في تربية الانسان، وتوجيه سلوكه، وصياغة شخصيته.
وتشعبت المسؤوليات والمهمات، لذا فإن مراكز الاعداد والتربية والمسؤوليات التربوية
تتخطى حدود الاُسرة والأبوين لتشمل المدرسة والمجتمع والدولة ووسائل التوجيه وقيادة
الرأي العام. لذا فان المسؤولية التربوية تتوزع بين المؤسسات والجهات الآتية:
1
ـ الاُسرة.
2 ـ المدرسة.
3 ـ المجتمع.
4 ـ الحكومة.
5 ـ الانسان
نفسه.

1 ـ الاُسرة:
الاُسرة: هي المحيط
التربوي الأول الذي يولد فيه الطفل، وينشأ في ظلاله.. فمنه يكتسب، ويتعلّم، وفي
أجوائه ينمو ويترعرع..
فمن الاُسرة، وعاداتها، وطبيعة حياتها، واتجاهها الفكري
والسلوكي يكتسب الطفل ويتشبّع.. لذا فإن تأثير الاُسرة في مرحلة الطفولة والنشوء
المبكّر له أثره ودوره الفعال في شخصية الطفل ونشأته، ولذا أيضاً ألقى الاسلام
المسؤولية الأساسية في التربية على الوالدين، واعتبرهما مسؤولين عن تربية أبنائهما،
وخصوصاً الأب، حينما خاطبه القرآن الكريم بقوله:
{يا أيُّها الذينَ آمنوا قُوا
أنفسكُم وأهِليكُم ناراً وَقودُها النّاسُ والحِجارةُ.. }. (التحريم/6)
لذا كان
من واجب الآباء العناية بتربية أبنائهم، والحرص على سلامة توجيههم، فإن التربية
الاسلامية صيانة وتحصين للأبناء من الانحراف والسقوط. وإنّ الأب الذي يهمل تربية
أبنائه إنّما يساهم في دفعهم إلى الانحراف والسقوط، وبذا يكون شريكاً لهم، ومساهماً
فعالاً فيما يؤولون إليه من أوضاع شاذة، وحالات سلوكية مخربة، لذلك حمّلته قوانين
الجزاء الاسلامية مسؤولية تقصير ابنه غير البالغ، والذي يعيش في كفالته، واعتبرته
مسؤولاً عن تحمل أي ضرر مادي يُلحقه بالآخرين، ليتمّ التنسيق والتكامل بين القوانين
والمسؤوليات، هذا عدا المسؤولية الجزائية الكبرى التي يتحملها الأب أمام الله
سبحانه، يوم يقوم النّاس لرب العالمين.

2 ـ
ا
لمدرسة:
أما المؤسسة التربوية الثانية التي
تقع عليها مسؤوليات تربوية كبرى فهي المدرسة، لأن للمدرسة ولعناصر التأثير فيها قوة
تربوية وتوجيهية فعالة تساهم في بناء شخصية الطفل والمراهق، وتؤثر فيها تأثيراً
بالغاً.
فالمدرسة هي المصنع الذي يعدّ الأجيال، والحاضنة التي تربّي أفراد
الاُمة، واليد التي تخطّط صورة الحياة. لذا كان من الضروري العناية بالمدرسة،
وبعناصرها الأساسية: المدّرس، والمنهج، والنشاط، وأُسلوب الحياة والتوجيه في
داخلها.. إلخ، وصياغة كل ذلك على أُسس إسلامية دقيقة ومتقنة، لجعل المدرسة أداة
بناء ووسيلة تنقيح وتوجيه، تعمل على حذف وتصحيح الأخطاء والانحرافات التي يكتسبها
الطفل من محيط الاُسرة والمجتمع، واكتشاف القابليات والميول الخيّرة في الطفل
لتنميتها وتقوية جذورها في نفسه، وتزويده بالمعارف والعلوم الثقافية، وتدريبه على
أسلوب الحياة والسلوك الانساني السوي، ليكون عضواً نافعاً في مجتمعه، وقادراً على
تحمّل مسؤوليات الحياة.
فمسؤولية المدرسة بصورة أساسية هي تحقيق أهداف التربية
الاسلامية التي تحدّثنا عنها في موضوع (أهداف التربية في الاسلام) والحفاظ على هذه
الأهداف.

3 ـ المجتمع:
والمجتمع هو المسؤول
الثالث الذي يشاطر بقية المؤسسات والجهات المسؤولية في تربية أفراده.
فالمجتمع
بما فيه من أعراف وتقاليد، وثقافة، ومفاهيم، وأُسلوب حياة، ولغة، ودين، وقيم يؤثر
بشكل قوي على شخصية الفرد. لذا كان من الضروري تنقيح المجتمع وتصحيح تيار الحياة
فيه، بصورة دائمة ومستمرة، وذلك في القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
ونظراً لما للمجتمع وللاختلاط الاجتماعي من دور، وأثر في حياة الأفراد،
كان عزل الأبناء، وإبعادهم عن أصدقاء السوء، وبؤر تجمع الفساد، ومراكزه التـي
يتطاير الشر منها أمراً ضرورياً لئلاّ تنتشر العدوى ويعمّ الانحراف، ما دام المجتمع
مجتمعـاً غير إسلامي، يُخشى علـى الطفل والصبي والمراهـق منه.
أما في حالة وجود
المجتمع الاسلامي.. فإنّ الأمر يختلف كثيراً، إذ يصبح المجتمع عاملاً مساعداً من
عوامل التربية والتوجيه التربوي السويّ، يساند الاُسرة والمدرسة المسلمة في عملية
الاعداد والتوجيه.

4 ـ الحكومة:
والجهة
المسؤولة والقوة المؤثرة الرابعة في التربية هي الحكومة. فالحكومة تحاول دائماً ـ
وبكل وسائلها ـ أن تصنع الأفراد وتربّي الأجيال على مذهبها السياسي والاجتماعي..
فالحكومة الشيوعية، أو الاشتراكية، أو الرأسمالية، أو غيرها من الحكومات غير
الاسلامية، تحاول أن تصنع الفرد على صورة نظريتها؛ كما تحاول الحكومة الاسلامية أن
تربي الفرد والجماعة على أساس مبادئها، وقيمها في الحياة. لذا اهتمت الحكومات
بإعداد الوزارات والأجهزة والوسائل المختلفة: كالمدارس، والجامعات والصحف، ووسائل
الاعلام والتوجيه.. إلخ، لتربي شعوبها التربية التي تؤمن بها، وتوجههم الوجهة التي
ترتضيها.
ويجب أن نُنبّه هنا إلى أن التربية في مدارس المسلمين اليوم كلها
متأثرة بتيارات التربية غير الاسلامية ـ إلا ما رحم الله ـ وتحاول أن تربي أبناء
المسلمين تربية لا دينية، بل معادية للاسلام في غالب الأحيان.. لهذا كان واجب
الآباء، ورجال الفكر والدعوة إلى الاسلام أن ينتبهوا إلى هذا الخطر الحضاري الكبير،
وأن يتّخذوا كل الوسائل الثقافية لمجابهة هذا التيار، وحماية أجيال المسلمين من
السقوط والانحراف.

5 ـ الانسان نفسه:
بعد أن
يتجاوز الانسان مرحلة الطفولة والصبا، ويصل حد البلوغ ومرحلة المسؤولية والتكليف
يكون هو المسؤول عن تربية نفسه، وترويضها وتصحيح مواقفها، وتسديد مسارها. لذلك جاء
الخطاب الالهي بادئاً بالنفس:
{ قُوا أنفسكُمْ وأهليكُمْ ناراً... }.
ولذلك
أيضاً جاء الحث في آية أُخرى تأكيداً لمسؤولية الانسان عن تربية نفسه، وإنقاذها من
محنة السقوط والعذاب، فقال تعالى:
{ وأمّا مَنْ خافَ مقامَ ربّهِ ونَهى النّفسَ
عَنِ الهَوى* فإنَّ الجنّةَ هِي المَأوى }.(النازعات/40 ـ 41)
وتحتل هذه التربية
المقام الأول في التأثير، والاصلاح، والتغيير، والالتزام، لذا جاء حديث الرسول
الكريم (صلى الله عليه وآله) مدحاً وبشارةً بالجنة للمؤمن الذي يربي نفسه، ويكوّن
شخصيته، ويبنيها بناءً إسلامياً.
فقد روى الامام محمد الباقر ابن الامام علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أنه قال:
(إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ عن الله يقول: أينَ أهل الصبر؟
قال: فيقوم عنق(1) من الناس، فتستقبلهم زُمرة من الملائكة، فيقولون لهم: ما كان
صبركم هذا الذي صبرتم؟ فيقولون: صبّرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبّرناها عن معصية
الله. قال: فينادي منادٍ من عند الله: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم، ليدخلوا الجنّة
بغير حساب)(2).
وعن الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)عن النبي(صلى الله
عليه وآله)أنه قال:
(بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر،
وبقي عليهـم الجهاد الأكبر. فقيل: يا رسول الله، ما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد
النفس)(3).
وبهذه التوجيهات، والارشادات التربوية، وأمثالها، حث الاسلام أبناءه
على أن يربي كل مسلم نفسه، ويحرص على ترويضها، وقيادتها قيادة سليمة على أساس من
منهج الاسلام، وبوحي من هداه.
وهكذا أحكم الاسلام نظام التربية، وشاد أُسس
البناء التربوي على هدى وبصيرة لبناء الانسان، وإعداده إعداداً إنسانياً
سليماً.