قال ابن حزم :
"توقير
الأنبياء فرض على جميع الناس" .
وقال ابن تيمية :
"حقوق
الأنبياء؛ في تعزيرهم، وتوقيرهم، ومحبتهم محبة؛ مقدمة على النفس والمال
والأهل".
باتت قضية احترام المقدسات، خاصة
الأنبياء؛ ضرورة إنسانية، وقيمة حضارية، وقد تصاعد الحديث عن ضرورة سن قانون دولي
يجرم الإساءة إلى الأنبياء؛ أيام حملة الإساءة العوراء التي استهدفت جناب النبي
محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ. ونقول : إن الإسلام لم يأمر المسلمين باحترام
الأنبياء فحسب؛ بل فرض عليهم ـ في إطار أصول العقيدة الإسلامية ـ ضرورة الإيمان
بجميع الأنبياء والمرسلين، وعدَّ الإسلامُ ذلك ركنًا من أركان
الإيمان.
قال الله تعالى
:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ
وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً
}النساء136
بل شرع الله في عقيدة الإيمان بالرسل
أنه لا ينبغي على المسلم أن يفرق بين أنبياء الله؛ كان ذلك حتى على مستوى الضمير أو
الشعور الداخلي، فكل الأنبياء رسالتهم واحدة، وعقيدتهم واحدة.
قال الله تعالى
:
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ
...}البقرة285
وقال أيضًا
:
{قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا
أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ }البقرة136
وقال كذلك
:
{قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ
عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن
رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }آل
عمران84
وقرَن هذا الأصلَ من أصول الاعتقاد
بالإيمان بالله ذاته، فقال :
{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ... }الحديد19
وقد أكد النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم
ـ على هذا المبدأ، فحذر من تفضيله على نبي آخر، فقال :
"لا
يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ
مَتَّى " .
وكونه يُحرم ذلك؛ فَأَنَّهُ يُؤصلُ
لقيمة احترام الأنبياء، وتراه في موضع آخر لما قدِم المدينة المنورة، ووجد اليهودَ
يصومون يوم عاشوراء، فسأل عن ذلك، فقالوا :
"هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ
نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا
لِلَّهِ "
فَقَالَ ـ صلوات الله سلامه عليه ـ :
" أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ"،
فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
ولا نجد احترامًا أكبر من هذا، وقد
علمتَ أن عظماء الدنيا وأصحاب المذاهب الإنسانية الكبرى يتحرى الواحدُ منهم ألا
يتبع أقرانه من الزعماء والقادة؛ حتى لا يُتهم بتهمة التقليد، بينما نرى رسولنا
الكريم؛ يقتفي أثر إخوانه الأنبياء، ويتأسى بهم، ولسان حاله أنا منهم وهم مني .
وقد رأينا في حديث المعراج، وهو يقص
لنا كيفية استقبال الأنبياء له في كل سماء، فكان الواحد منهم يقول له:
" مَرْحَبًا بِالأخِ الصَّالِحِ،
وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ"، حاشا آدم وإبراهيم، فقد قالا :"مَرْحَبًا بالابن الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
إن
قيمة احترام الأنبياء لهي من الأصول العقائدية في الإسلام كما
رأيتَ ؛ وليست من أصول الأخلاق فحسب، وهو تأصيل يسبق القوانين
الوضعية التي لم تتمكن حتى الآن من زجر المسيئين للأنبياء والرسل، بعدما صارت "
الإساءة للأنبياء" مطيةَ من لا مطية
له؛ من طلاب الشهرة، وأنصاف الأدباء، وأرباع الفنانين؛ إذ هي الوسيلةُ السهلة لمن
أراد أن يتصدر أبواق الإعلام، ويحتل المساحات العريضة على صفحات الصحف والمجلات؛
فحسبه أن يسيء الأدب إلى نبي من الأنبياء تحت ستار حرية الإبداع، وحرية الرأي !
وماذا على الحكومات لو جعلت من توقير الأنبياء قيمة وفريضة وقانون؛ في زمن ضاعت فيه
كثيرٌ من القيم ؟
ليت شعري، لو رسَّخنا في الشعوب قيمةَ
احترام الأنبياء؛ لكان ذلك أصلٌ في احترام من سار على دربهم، ولكان ذلك أساسٌ
لإعداد جيلٍ؛ يوقر الكبراء، ويحترم العلماء، ويبر الآباء، ويناطق الحكماء، ويجالس
الأدباء، ولسادت "ثقافةُ التوقير " بين أوساط الشباب ومجالس النخب، ولعادت آداب
التوقير، بين العالم والمتعلم، والسامع والمتكلم . تلك كلها فروع تنبت من احترام
الأنبياء؛ مصدرِ النور والحكمة بين بني البشر.
محمد
مسعد ياقوت
عضو الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
والمشرف العام
على موقع نبي الرحمة